فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختلف في اسم هذا الغلام واسم أبيه واسم أمه، ولم يرد شيء من ذلك في الحديث، وفي الخبر أن هذا الغلام كان يفسد ويقسم لأبويه أنه ما فعل فيقسمان على قسمه ويحميانه ممن يطلبه. وحكى القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى عليه السلام لما قال للخضر {أقتلت نفسًا زكية} غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه، وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل {خرقها} بغير فاء و{فقتله} بالفاء؟ قلت: جعل خرقها جزاء للشرط، وجعل قتله من جملة الشرط معطوفًا عليه والجزاء قال: {أقتلت}: فإن قلت: فلم خولف بينهما؟ قلت: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام انتهى.
ومعنى {زكية} طاهرة من الذنوب، ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت، قيل أو لأنها صغيره لم تبلغ الحنث.
وقوله: {بغير نفس} يرده ويدل على كبر الغلام وإلاّ فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس.
وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن وحميد والزهري ونافع واليزيدي وابن مسلم وزيد وابن بكير عن يعقوب والتمار عن رويس عنه وأبو عبيد وابن جبير الأنطاكي وابن كثير وأبو عمرو زاكية بالألف.
وقرأ زيد بن عليّ والحسن والجحدري وابن عامر والكوفيون {زكية} بغير ألف وبتشديد الياء وهي أبلغ من زاكية لأن فعيلا المحول من فاعل يدل على المبالغة.
وقرأ الجمهور: {نكرًا} بإسكان الكاف.
وقرأ نافع وأبو بكر وابن ذكوان وأبو جعفر وشيبة وطلحة ويعقوب وأبو حاتم برفع الكاف حيث كان منصوبًا.
والنكر قيل: أقل من الأمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إعراق أهل السفينة.
وقيل: معناه شيئًا أنكر من الأول، لأن الخرق يمكن سده والقتل لا سبيل إلى تدارك الحياة معه.
وفي قوله: {لك} زجر وإغلاظ ليس في الأول لأن موقعه التساؤل بأنه بعد التقدم إلى ترك السؤال واستعذار موسى بالنسيان أفظع وأفظع في المخالفة لما كان أخذ على نفسه من الصبر وانتفاء العصيان.
{قال إن سألتك عن شيء بعدها} أي بعد هذه القصة أو بعد هذه المسألة {فلا تصاحبني} أي فأوقع الفراق بيني وبينك، وقرأ الجمهور: {فلا تصاحبني} من باب المفاعلة.
وقرأ عيسى ويعقوب فلا تصحبني مضارع صحب وعيسى أيضًا بضم التاء وكسر الحاء مضارع أصحب، ورواها سهل عن أبي عمرو أي فلا تصحبني علمك وقدره بعضهم فلا تصحبني إياك وبعضهم نفسك، وقرأ الأعرج بفتح التاء والباء وشد النون.
ومعنى {قد بلغت من لدني عذرًا} أي قد اعتذرت إليّ وبلغت إلى العذر، وقرأ الجمهور: {من لدني} بإدغام نون لدن في نون الوقاية التي اتصلت بياء المتكلم، وقرأ نافع وعاصم بتخفيف النون وهي نون لدن اتصلت بياء المتكلم وهو القياس، لأن أصل الاسماء إذا أضيفت إلى ياء المتكلم لم تلحق نون الوقاية نحو غلامي وفرسي، وأشم شعبة الضم في الدال، وروي عن عاصم سكون الدال.
قال ابن مجاهد: وهو غلط وكأنه يعني من جهة الرواية، وأما من حيث اللغة فليست بغلط لأن من لغاتها لد بفتح اللام وسكون الدال.
وقرأ عيسى {عذرًا} بضم الذال ورويت عن أبي عمرو وعن أبي عذري بكسر الراء مضافًا إلى ياء المتكلم.
وفي البخاري قال: «يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما».
وأسند الطبري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال: «رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأى العجب؛ ولكنه قال: {فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا}».
والقرية التي أتيا أهلها إنطاكية أو الأبلة أو بجزيرة الأندلس وهي الجزيرة الخضراء، أو برقة أو أبو حوران بناحية أذربيجان، أو ناصرة من أرض الروم أو قرية بأرمينية أقوال مضطربة بحسب اختلافهم في أي ناحية من الأرض كانت قصة والله أعلم بحقيقة ذلك.
وفي الحديث: «أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم» وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله تعالى.
وتكرر لفظ {أهل} على سبيل التوكيد، وقد يظهر له فائدة عن التوكيد وهو أنهما حين {أتيا أهل القرية} لم يأتيا جميع أهل القرية إنما أتيا بعضهم، فلما قال: {استطعما} احتمل أنهما لم يستطعما إلاّ ذلك البعض الذي أتياه فجيء بلفظ أهلها ليعم جميعهم وأنهم يتبعونهم واحدًا واحدًا بالاستطعام، ولو كان التركيب استطعماهم لكان عائدًا على البعض المأتي.
وقرأ الجمهور: {يضيّفوهما} بالتشديد من ضيف.
وقرأ ابن الزبير والحسن وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وعاصم في رواية المفضل وأبان بكسر الضاد وإسكان الياء من أضاف، كما تقول ميّل وأمال، وإسناد الإرادة إلى الجدار من المجاز البليغ والاستعارة البارعة وكثيرًا ما يوجد في كلام العرب إسناد أشياء تكون من أفعال العقلاء إلى ما لا يعقل من الحيوان وإلى الجماد، أو الحيوان الذي لا يعقل مكان العاقل لكان صادرًا منه ذلك الفعل.
وقد أكثر الزمخشري وغيره من إيراد الشواهد على ذلك ومن له أدنى مطالعة لكلام العرب لا يحتاج إلى شاهد في ذلك.
قال الزمخشري: ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله ممن لا يعلم كان يجعل الضمير للخضر لأن ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة، فتمحل ليرده إلى ما هو عنده أصح وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز أدخل في الإعجاز انتهى.
وما ذكره أهل أصول الفقه عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني من أنه ينكر المجاز في القرآن لعله لا يصح عنه، وكيف يكون ذلك وهو أحد الأدباء الشعراء الفحول المجيدين في النظم والنثر.
وقرأ الجمهور: {ينقض} أي يسقط من انقضاض الطائر، ووزنه انفعل نحو انجر.
قال صاحب اللوامح: من القضة وهي الحصى الصغار، ومنه طعام قضض إذا كان فيه حصى، فعلى هذا {يريد أن ينقض} أي يتفتت فيصير حصاة انتهى.
وقيل: وزنه أفعّل من النقض كاحمر.
وقرأ أبي: {ينقض} بضم الياء وفتح القاف والضاد مبنيًا للمفعول من نقضته وهي مروية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفي حرف عبد الله وقراءة الأعمش يريد لينقض كذلك إلاّ أنه منصوب بأن المقدرة بعد اللام.
وقرأ علي وعكرمة وأبو شيخ خيوان بن خالد الهنائي وخليد بن سعد ويحيى بن يعمر ينقاص بالصاد غير معجمة مع الألف، ووزنه ينفعل اللازم من قاص يقيص إذا كسرته تقول: قصيته فانقاص.
قال ابن خالويه: وتقول العرب انقاصت السنّ إذا انشقت طولًا.
قال ذو الرمة: منقاص ومنكثب.
وقيل: إذا تصدعت كيف كان.
ومنه قول أبي ذؤيب:
فراق كقص السن فالصبر إنه ** لكل أناس عشرة وحبور

وقرأ الزهري: ينقاض بألف وضاد معجمة وهو من قولهم: قضته معجمة فانقاض أي هدمته فانهدم.
قال أبو عليّ: والمشهور عن الزهري بصاد غير معجمة.
{فأقامه} الظاهر أنه لم يهدمه وبناه كما ذهب إليه بعضهم من أنه هدمه وقعد يبنيه.
ووقع هذا في مصحف عبد الله وأيد بقوله: {لتخذت عليه أجرًا} لأن بناءه بعد هدمه يستحق عليه أجرًا.
وقال ابن جبير: مسحه بيده وأقامه فقام.
وقيل: أقامه بعمود عمده به.
وقال مقاتل: سوّاه بالشيد أي لبسه به وهو الجيار.
وعن ابن عباس: دفعه بيده فاستقام وهذا أليق بحال الأنبياء.
قال الزمخشري: كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة فلم يجدا مواسيًا، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا} وطلبت على عملك جعلًا حتى تنتعش به وتستدفع الضرورة انتهى.
قال ابن عطية: وقوله: {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا} وإن لم يكن سؤالًا ففي ضمنه الإنكار لفعله، والقول بتصويب أخذ الأجر وفي ذلك تخطئة ترك الأجر انتهى.
وقرأ عبد الله والحسن وقتادة وابن بحرية ولتخذت بتاء مفتوحة وخاء مكسورة، يقال تخذ واتخذ نحو تبع واتبع، افتعل من تخذ وأدغم التاء في التاء.
قال الشاعر:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ** نسيفًا كأفحوص القطاة المطرق

والتاء أصل عند البصريين وليس من الأخذ، وزعم بعضهم أن الاتخاذ افتعال من الأخذ وأنهم ظنوا التاء أصلية فقالوا في الثلاثي تخذ كما قالوا تقي من اتقى.
والظاهر أن هذا إشارة إلى قوله: {لو شئت} أي هذا الإعراض سبب الفراق {بيني وبينك} على حسب ما سبق من ميعاده.
أنه قال: {إن سألتك} وهذه الجملة وإن لم تكن سؤالًا فإنها تتضمنه، إذ المعنى ألم تكن تتخذ عليه أجرًا لاحتياجنا إليه.
وقال الزمخشري: قد تصور فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال موسى عليه السلام {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني} فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه كما تقول: هذا أخوك فلا يكون هذا إشارة إلى غير الأخ انتهى.
وفيما قاله نظر.
وقرأ ابن أبي عبلة {فراق بيني} بالتنوين والجمهور على الإضافة.
والبين قال ابن عطية: الصلاح الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما، وذلك مستعار فيه من الظرفية ومستعمل استعمال الأسماء، وتكريره {بيني وبينك} وعدوله عن بيننا لمعنى التأكيد.
{سأنبئك} أي سأخبرك {بتأويل} ما رأيت من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، أي بما آل إليه الأمر فيما كان ظاهره أن لا يكون.
وقرأ ابن وثاب سأنبيك بإخلاص الياء من غير همز.
وعن ابن عباس: كان قول موسى في السفينة وفي الغلام لله، وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا فكان سبب الفراق.
وقال أرباب المعاني: هذه الأمثلة التي وقعت لموسى مع الخضر حجة على موسى وإعجاله، وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي: يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحًا في اليم؟ فلما أنكر قتل الغلام قيل له: أين إنكارك هذا من وكز القبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنات شعيب دون أجرة؟ {سأنبئك} في معاني هذا معك ولا أفارقك حتى أوضح لك ما استبهم عليك. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السموات والأرض} أي ما استعنت بهم على خلق السموات والأرض، يعني: إبليس وذريته {وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ}، أي ولا استعنت بهم على خلق.
{وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين}، أي ما كنت أتخذ الذين يضلون الناس عرفًا يعني: الشياطين، {عَضُدًا وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَائِىَ}، أي لعباد الأوثان وهو يوم القيامة، نادوا شركائي أي ادعوا آلهتكم، {الذين زَعَمْتُمْ} في الدنيا أنهم لي شركاء، ليمنعوكم مني من عذابي.
{فَدَعَوْهُمْ}، يعني: الآلهة، {فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ}؛ أي لم يجيبوهم.
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا}؛ قال مجاهد: وادٍ في جهنم، وهكذا قال مقاتل، وقال القتبي: أي مهلكًا بينهم وبين آلهتهم في جهنم، ومنه يقال: أَوبقته ذنوبه ويقال: موعدًا، وقال الزجاج: وجعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي وجعلنا بينهم وبين شركائهم الذين أضلوهم موبقًا أي مهلكًا.
قرأ حمزة ويوم {نَّقُولُ} بالنون وقرأ الباقون بالياء.
{وَرَأَى المجرمون النار}، أي رآها المشركون من مكان بعيد، {فَظَنُّواْ}؛ أي علموا واستيقنوا {أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا}، أي داخلوها، {وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا}؛ أي معدلًا ولا ملجأً ولا مفرًا يرجعون إليه.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا}، أي بيّنا {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا في هذا القرءان لِلنَّاسِ مِن}، أي من كل وجه ونوع ليتعظوا فلم يتعظوا، ويقال: بينا من كل وجه يحتاجون إليه.
{وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شيء جَدَلًا} من أمر الباطل، يعني: من أمر البعث مثل أبيّ بن خلف وأصحابه.
قال الفقيه: حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا يحيى بن محمد الصاعد قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا محمد بن بشر قال، للحجاج بن دينار قال، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ».